سيوف من خشب لا تربح حربا..!

نورجان سرغاية

28/12/2021

انتهى القوميون من بناء دولهم خلال القرن التاسع عشر، أما دولة العرق الصافي انتهت مع هتلر، وعلى النقيض منها الدولة الأممية التي بناها فلاديمير لينين أيضا انهارت مع انهيار جدار برلين، أما الدولة الدينية فتجاوزها العصر ولم يعد ممكنا أن تُؤَسس الدول على أساس دين أو مذهب يكون المواطنون فيها درجات دنيا وعليا وفقا لمعتقداتهم وانتماءاتهم.

النخب المبعدة والمبتعدة عن ممارسة الثورة:

الاحتقان الشعبي حيال إجرام ولصوصية عائلة أسد بلغ أقصاه منذ أمد إلى أن ترجمته انامل أطفال حوران فقدحت الشرارة.

الجميع يدرك دموية هذه العائلة فتريث بعضهم وأيد الثورة آخرون بخجل, لم تتم ولادة حزب ذو حاضنة وثقل جماهيري، حتى الإخوان المسلمين الذين نكل بهم حافظ وأخوه أشد التنكيل، كانوا قد علقوا معارضتهم لآل أسد بذريعة أن بشار يدعم حماس وحزب الله المقاوم..

تتذرع بعض النخب السورية ان ليس للقلم حول ولا قوة حيال من يملك بضع بنادق ليشكل فصيلا “ثوريا” أو مليشيا شبيحة ومصداقيته تتجاوز أي كادر أكاديمي أو مفكر سوري. هذا وغيره من الأسباب، جعلت من النخب السورية سيوفا من خشب، إضافة لكون غالبية هذه النخب مؤدلجة وحبيسة غرف تضج بالخطب والمصطلحات المنتقاة من عمق التاريخ والمعاجم، وامتشقوا الأقلام وتراشقوا المحابر يزايدون على بعضهم، كل طرف يلمع نظريته ويشحذ همم صحبه واختلطت الأصوات الإسلاموية واليسارية والقومية كل يجر البساط نحوه.

قلة من السوريين نادوا بتنحية الأيديولوجيات والابتعاد عن الشعبوية لعدم تكرار الفشل، معتبرين ان الحل يكمن باعتماد مبدأ العقد الاجتماعي وأساسه فصل الدين عن السياسة وبناء دولة المواطنة والمؤسسات.

الشرعية الثورية شعبية:

جميع الشرائع السماوية والوضعية جاءت لخدمة الإنسان وتنظيم حياته، إلا شرعية الحاكم العربي سُنّت لخدمته.. إن الشعب الذي ثار على الحاكم المستبد ودستوره المجحف لا يعقل أن يُحتكم إليه، فالثورة تجرده من شرعيته الزائفة وتصبح شعبية، وهي بدورها محدودة، لو استمرت دون ان تتصدرها النخب من كوادر وكفاءات وطنية تتحول لفوضى, وكما هو معروف أن على من يتصدر المشهد أن يتبنى مطالب الثوار وتنتج مؤسسات ثورية مؤقتة تعمل على ترتيب الأولويات وصياغة نظم واضحة لإدارة المرحلة الانتقالية.

لو أتينا لمراجعة ما فعله متصدري المشهد “وجه السحارة” أول عمل قاموا به فرض أنفسهم بقوة المال السياسي الخارجي وهمشوا المعارضين المعروفين الذين دفعوا أثمانا باهظة في حقبة الأب والابن وأضافوا إليهم مجموع الضباط المنشقين، وتربعوا على مقاعد اعتبروها غنائم، وعبر المال السياسي تحكموا بمفاصل الثورة وشيئا فشيئا كان الجو متاحا والتربة خصبة لنمو الفصائلية والداعشية وأخواتها، واستغل نظام عائلة أسد وداعميه هذه الظروف المواتية خير استغلال, أي أنه تم تهميش الكفاءات ومن لهم مصلحة بثورة ناجزة وتسلم زمام الأمور في المؤسسات التي انتجتها الثورة أشخاص أغلبهم مهتمين بالمنصب والراتب مرتبطين بمشغليهم، أما الأقلية بينهم ممن قلبه على الثورة والثوار لا صوت له ومحاصر بأصحاب الأجندات وإن لم يصمت يتم صرفه خارج اللعبة, وما هذه النتيجة التي نعيشها اليوم سوى من تلك المقدمات الآنفة وصار هم السوريين إدارة الأزمة لتعذر رؤية لحلها.

الفاشل لا يرى عوراته:

لا أحد يجهل أن القيمين على واجهة المجتمع من معارضين وموالين مازالوا منشغلين بأيديولوجيات إسلاموية وقومية ويسارية كانت قد فشلت جميعها تاريخيا ولم تبن وطنا يتساوى فيه جميع المواطنين، وبما أن موضوع الوطن الموحد المشترك خارج حسابات هؤلاء نجد النتيجة التي نشاهدها اليوم على الأرض السورية ممثلة بدويلات الفصائل القروسطية والشبيحة واحلام العصافير،  وذلك دون النظر أو اعتبار للأثمان والفواتير التي يدفعها الشعب من دم ومال وبنين، حتى أولئك الذين عوّلْنا على وجودهم بين الجوقة فقدوا البوصلة وبقيّة ماء الوجه ومعها زمام الأمور ولم يعد لهم أي تأثير منظور لحل الأزمة فصار همهم البحث بشتى السبل ليكونوا شركاء في إدارة الأزمة مع رُعاة إدامتها, وهذا ما يفسره التصاقهم بمقاعد الواجهة لا يتغيرون ولا يتبدلون.

بالرغم من كل ما جرى تعقد هنا وهناك مؤتمرات إعادة النفخ في الرماد، ومن جديد يتصدرها “من خربها وقعد على تلتها” لكن هل تساءلنا فيما إن كان ممكنا إعادة تدوير نفس المستحاثات، أليس من يهيمن على المؤسسات التي انتجتها الثورة أعضاء محنطون، فترهلت وصارت عملية اسقاط النظام أسهل من عملية تغيير عضو في الائتلاف, كان العشم بالائتلاف أن يأتي بحل فصار هو المشكلة، ولم يعد مفيدا وإكرام الميت دفنه.

الويل لمن ينتقد الفاشلين:

في حال تناولهم كاتب أو صحفي في محاولة لإبداء الرأي أو تقديم مقترحات تنتقد تصرفاتهم تجعله في مرمى نبالهم، كما لو انه انتقد ثورا هندوسيا مقدسا، يتم نطحه من أغلب الجهات وبكل الأدوات المتاحة وصولا لتكفيره وتخوينه، ومن ثم اعتبار نقده تحاملا كيديا هدفه الهدم لا البناء والتصحيح, وتبدأ حملات البحث وتصيّد العبارات ولوي أعناق الكلمات بما يسيء للكاتب ويمجد أولئك الفاشلين الذين بانت كل عوراتهم بعد أن سقطت عنهم ورقة التوت الأخيرة.

لنعترف امام أنفسنا على الأقل، أن حافظ أسد لم يباغتنا ويهبط بصحن طائر من السماء أو يأتي من فراغ، بل هو مواطن سوري مهووس بالسلطة والتسلط وتم افساح المجال لوصوله لأعلى المناصب في البلد ولم يكتف بسرقاته بل ورث أبنه الجاهل بألف باء السياسة وتعاملوا مع البلد على أنها مزرعة العائلة، نهبوا وسرقوا وبعد مرور أربعين سنة لم يطرأ أي تغيير على وضع البلد، وأكملها الذي شابه أبيه بعشر أخرى أعاد وضع سوريا لما قبل الاستقلال.

لذا يفترض أن يقف الجميع بوجه أي دعّي ممن تسلق السلم وتصدر المشهد بسهولة ويصعب إنزاله من على الشجرة ويبني له عشا في الأعالي ونكرر الحقبة الأسدية المقيتة بمسمى جديد.

نحن انتجنا حافظ وابنه ومنا “معارضجية وجه السحارة” الذين أكدوا مرارا وتكرارا أنهم فاشلون ولم يتنازلوا ولم يقالوا..

بعد مرور عشر سنوات لم تستطع هذه النخب كسب ثقة أحد سوى عروض مموليهم أو مشغليهم، وهذا ينطبق على الشبيح برتبة معفش أو “المعارضجي” برتبة مرتزق.

هؤلاء لا مصلحة لهم بانتقال سياسي ولا بلد مؤسسات لا محل لهم فيها، لذا سيظلون يعملون بكل قوتهم لتهميش الكفاءات وتنصيب العاهات، وما زالوا في شد وجذب، يبتكرون أساليب إدامة حرب حطبها البقية الباقية من شباب سوريا, ما من شك أن غاية تجار الدم وأمراء الحرب الربح، بل ويتفاخرون بالولاء لهذا الممول أو ذاك على حساب الوطن.

ختاما ما يشجع على التفاؤل هو الصحوة العظيمة في أوساط شباب سوريا، كل سوريا، أولئك الذين أدركوا أنهم سيُؤكلون تباعا كما أُكل الثور الأبيض، تنبهوا لماذا يقتتلون ومن يقتلون؟ الجميع صار يعرف أن السماء لن تمطر حلا ما لم يتوقف القتل من قبل الجميع, والأهم أنه صار واضحا بالضبط من هو الحرامي الذي يصرخ “أمسكوا الحرامي”…!

ألا تبا لمن يصبّ الزيت على النار لاستمرار سعير معركة فيها القاتل سوري والمقتول سوري…! حان الوقت لقولها: كفى…!

ملحوظة:

مقال سابق لي بعنوان “آخر الآمال الباقية” أشعل وسائل التواصل، وقد وردتني العديد من الرسائل بينها النقد والتصويب والعتاب والإشادة الخ، شكرت الجميع وأبلغتهم احترامي لآرائهم. وطالبني بعضهم بمزيد من التوضيح. ان أسوأ ما يمكن أن يفعله الكاتب حين يوضع بموضع الدفاع عن نصه وعليه أن يشرح كلامه الواضح ويجتهد بتفسير المفسر.

وللحديث بقية….

Next Post

مداخلة الأكاديمي الليبي الدكتور عمر زرموح - أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية الليبية

الأربعاء ديسمبر 13 , 2023
مداخلة في برنامج المنتدى العربي البريطاني بمناسبة مرور 75 عام على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. الأكاديمي الليبي الأشهر الدكتور عمر زرموح أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية الليبية تقديم نورجان سرغاية. إدارة علي الحاج حسين. المنتدى العربي البريطاني https://arabicforum.co.uk/ LondonAR https://londonar.net/

أبرز المواد

أحدث المنشورات