الشاعر المتبوذ عربيا أحمد مطر

ولد أحمد مطر في مطلع الخمسينات، ابناً رابعاً بين عشرة أخوة من البنين والبنات، فيقرية (التنومة)، إحدى نواحي (شط العرب) في البصرة. وعاش فيها مرحلة الطفولة قبل أنتنتقل أسرته، وهو في مرحلة الصبا، لتقيم عبر النهر في محلة الأصمعي 


وفي سنالرابعة عشرة بدأ مطر يكتب الشعر، ولم تخرج قصائده الأولى عن نطاق الغزلوالرومانسية، لكن سرعان ما تكشّفت له خفايا الصراع بين السُلطة والشعب، فألقىبنفسه، في فترة مبكرة من عمره، في دائرة النار، حيث لم تطاوعه نفسه على الصمت، ولاعلى ارتداء ثياب العرس في المأتم، فدخل المعترك السياسي من خلال مشاركته فيالإحتفالات العامة بإلقاء قصائده من على المنصة، وكانت هذه القصائد في بداياتهاطويلة، تصل إلى أكثر من مائة بيت، مشحونة بقوة عالية من التحريض، وتتمحور حول موقفالمواطن من سُلطة لا تتركه ليعيش. ولم يكن لمثل هذا الموقف أن يمر بسلام، الأمرالذي اضطرالشاعر، في النهاية، إلى توديع وطنه ومرابع صباه والتوجه إلى الكويت،هارباً من مطاردة السُلطة
.

وفي الكويت عمل في جريدة (القبس) محرراًثقافياً، وكان آنذاك في منتصف العشرينات من عمره، حيث مضى يُدوّن قصائده التي أخذنفسه بالشدّة من أجل ألاّ تتعدى موضوعاً واحداً، وإن جاءت القصيدة كلّها في بيتواحد. وراح يكتنز هذه القصائد وكأنه يدوّن يومياته في مفكرته الشخصيّة، لكنها سرعانما أخذت طريقها إلى النشر، فكانت (القبس) الثغرة التي أخرج منها رأسه، وباركتانطلاقته الشعرية الإنتحارية، وسجّلت لافتاته دون خوف، وساهمت في نشرها بينالقرّاء.

وفي رحاب (القبس) عمل الشاعر مع الفنان ناجي العلي، ليجد كلّمنهما في الآخر توافقاً نفسياً واضحاً، فقد كان كلاهما يعرف، غيباً، أن الآخر يكرهما يكره ويحب ما يحب، وكثيراً ما كانا يتوافقان في التعبير عن قضية واحدة، دوناتّفاق مسبق، إذ أن الروابط بينهما كانت تقوم على الصدق والعفوية والبراءة وحدّةالشعور بالمأساة، ورؤية الأشياء بعين مجردة صافية، بعيدة عن مزالق الإيديولوجيا.

وقد كان أحمد مطر يبدأ الجريدة بلافتته في الصفحة الأولى، وكان ناجي العلييختمها بلوحته الكاريكاتيرية في الصفحة الأخيرة.

ومرة أخرى تكررت مأساةالشاعر، حيث أن لهجته الصادقة، وكلماته الحادة، ولافتاته الصريحة، أثارت حفيظةمختلف السلطات العربية، تماماً مثلما أثارتها ريشة ناجي العلي، الأمر الذي أدى إلىصدور قرار بنفيهما معاً من الكويت، حيث ترافق الإثنان من منفى إلى منفى. وفي لندنفَقـدَ أحمد مطر صاحبه ناجي العلي، ليظل بعده نصف ميت. وعزاؤه أن ناجي مازال معهنصف حي، لينتقم من قوى الشر بقلمه.

ومنذ عام 1986، استقر أحمد مطر في لندن،ليُمضي الأعوام الطويلة، بعيداً عن الوطن مسافة أميال وأميال،

يحمل ديوانهاسم ( اللافتات ) مرقما حسب الإصدار ( لافتات 1 ـ 2 إلخ ) ، وللشاعر شعبية كبيرة ،وقراء كثر في العالم العربي.

أحمد مطر

 

From

 

آخر قصائده:

 

رُسُلُ التَّخلُّفِ في بلادِ الضّادِ
يَستنكرونَ «خِلافةَ البغدادي»
ويُحَوقِلونَ تَهيُّباً وتَعجُّباً
ممّا رأوا من جُرمهِ المُتمادي
فكأنّما هذا الخليفةُ «مأتَمٌ»
وكأنّما هُم «فرقةُ الإنشادِ»!
وَكأنَّما الدُّوَلُ التي في ظِلِّهِمْ
أُنشِئْنَ مِن وَردٍ ومِن أورادِ!
وكأنَّ مَن فيهِنَّ لَيسَ طَريدَةً
مَنذورَةً لِحَبائِلِ الصَّيادِ!
* * *
أُبدي اندهاشِيَ للجريمةِ صارخاً:
ما لي أرى الأشباهَ كالأضدادِ؟!
ما للقُيودِ الجاهليّةِ صَلصَلَتْ
مذعورةً مِن رنّةِ الأصفادِ؟!
هل قاتِلُ الآلافِ أبرأُ ذِمّةً
مِن قاتِلِ العَشَراتِ والآحادِ؟!
أم غارِزُ السكّينِ أسوأُ فِعلَةً
مِن غارسِ الألغامِ والأعوادِ؟!
الصّوتُ ذلكَ مُبتدا هذا الصَّدَى
ولِسانُ حالِ المُنتَهي والبادي:
«الغَرْغَرينا» لم تَكُنْ لو لم يكُنْ
جُرحُ البلادِ مُبطَّناً بفَسادِ!
* * *
ما دُقَّتِ الأوتادُ فينا صُدفَةً
بَل دَقَّها فِرعونُ ذو الأوتادِ!
ولَهُ سَوابِقُهُ بتصديرِ الأذى
لِيَصُدَّهُ.. ويَعودَ بالإيرادِ!
ولَهُ عَبيدٌ سادَةٌ قد سَوَّدوا
أيّامَنا.. مِن قَبلِ هذا السّادي.
أم أنَّ ثَوراتِ الشّبابِ تَفَجّرَتْ
مَلَلاً مِنَ التّدليلِ والإسعادِ؟!
كانوا على مَرِّ الزَّمانِ يُرونَنا
فِعْلَ اللُّصوصِ.. ومَنطِقَ الزُّهّادِ
ويُفَصّلونَ الدِّينَ حَسْبَ مَقاسِهم
ثَوباً.. على جَسَدٍ مِنَ الإلحادِ!
رَصَدوا السّلاحَ.. فما تَرصَّدَ غازِياً
ولِقَتلِنا.. قد كانَ بالمِرصادِ!
رَقَدوا.. ولم يستيقِظوا حتّى علا
سَوطُ الوَعيدِ بزجْرَةِ الأسيادِ
فَتَذَكَّروا معنى الحياةِ، ولَمَّعوا
صَدَأَ السّلاحِ.. بصَرخةِ استنجادِ!
هُم لا تَقومُ صِلاتُهم إلاّ على
تَقطيعِ حَبْلِ الناسِ بالإجهادِ
هُم لا تُقامُ صَلاتُهُم إن لم تكُنْ
بِإمامَةِ «السِّي آيِ» و(الموسادِ)!
وهُمُ الحَديدُ وخَصْمُهُم مِن جِنسِهِم
وجَميعُهُم برعايَةِ الحَدّادِ!
فَعَلامَ يأنَفُ لاعِبٌ مِن لاعِبٍ
وكلاهُما عُضْوٌ بنَفسِ النّادي؟!
***
تُبدي الجَريمةُ دَهشَةً مِن دَهشَتي:
أَوَ ما رأيتَ تَنافُسَ الأوغادِ؟!
أصْلُ الحكايَةِ غَيْرَةٌ وتَحاسُدٌ
ما بَينَ جيلِ النَّشْءِ والرُّوادِ!
يَتفارَقونَ بِشَكْلِهِم، لكنَّهُم
رَضَعوا حليبَ طِباعِهِم مِن زادي.
وأنا رَؤومٌ، لا أُفَرِّقُ بينَهُم
هُم في النّهايَةِ.. كُلُّهُم أولادي!

 

Next Post

فاتورة الحرب في اليمن

الأربعاء مارس 18 , 2015
مروان السامعي لا وظائف شاغرة اليوم للشباب اليمني سوى التجنيد للاستحقاقات الحربية التي لم تولد بعد. تجنيد للشباب اليمني في صنعاء، وكذلك تجنيد في عدن، وبأعداد مأساوية مهولة جدًا؛ وهو ما يعني القضاء التام على حياة البطالة الشبابية في أقرب فرصة عراك سياسية شاغرة يقرع طبولها حمقى وتجار الكوارث اليمنية هنا […]

أبرز المواد

أحدث المنشورات