كلمة الكاتب والسياسي السوري بسام العيسمي في فعالية فيينا الاحتفالية بمناسبة دخول انتفاضة السويداء عامها الثاني.
الأخوات والإخوة.
باسمكم جميعاً نُبارك لانتفاضة الحرية والكرامة في سويداء القلب لدخولها عامها الثاني. والتحية المنسوجة بخيوط العزة والفخار لحرائرنا وأحرارنا في ساحة الكرامة. صانعو الأمل من قلب اليأس والفواجع، والتيه، والتشتت، والانكسارات. ما أروعكم وأنتم تخوضون وبكل ثقة وعزيمة واقتدار. ضراوة الصراع ما بين الحياة والموت، ما بين الخير والشر، ما بين الفضيلة والرذيلة، ما بين الحقد والتسامح، وما بين الكرامة والمهانة. ، لتشرق شمس الحرية من جديد في سماء سورية التي تعمّدت بدماء أبنائها. قبل ثلاثة عشر عاماً وفي منتصف آذار لعام 2011م. انطلقت الثورة السورية المباركة بموجتها الأولى التي أوقدت شعلتها دماء أطفال درعا البريئة والطاهرة، درعا الأبية مهد الثورة. وانفجر بركان مكبوت الألم والغضب السوري مدوّياً كالصاعقةK في مملكة الخوف والرعب والصمت. في قلاع الموت والغدر والجريمة، هزَّ الصدى أركانها، وخلخل بنيانها، وصدّع جدرانها، واضحت حجارتها آيلة للسقوط. انطلقت الثورة بيضاء نقية سلمية حضارية ولا أروع. حناجر الحرائر والأحرار تحدّت سكين الجزار وهتفت: الموت ولا المذلة. سورية حرية وبس. مواطنة عدالة ديمقراطية. واحد واحد الشعب السوري واحد. خروجاً على كل الانتماءات الضيقة، والنزعات الجهوية، والطائفية، والأثنية. وتجاوزاً لها الى الانتماء الوطني السوري الجامع. بدأت المظاهرات حينها بجمعة الحرية. جمعة الكرامة. جمعة آزادي. جمعة صالح العلي.
الكنائس في داريا قرعت أجراسها في نيسان لعام 2011 حداداً على أرواح شهداء داريا الذين سقطوا برصاص الأمن الغادر. لم يكن أي أحد يفكّر بالبُعد الطائفي. أدرك النظام أن في السلمية مقتله. وفي اجتماع شمل السوريين على الهوية السورية، وتقديمها على أي انتماء آخر لبناء الفضاء الوطني الديمقراطي السوري الجامع فيها هزيمته. ولو استمرت البدايات وتطورت؟ لقادت لصناعة البديل التاريخي الوطني الديمقراطي والإنساني والثقافي لنظام طغمة الأسد؟
وأي نظام مهما بلغ من الخسة والإجرام، إذا تشكّل بديله سيرحل. وهذا ما أرعبه؟ وبدأ يعد الخطط لسحق الثورة، وتشويه صورتها، وتقويض سلميتها، وتشتيت شمل السوريين. الذي تفنن بقتلهم وأذاقهم كل أشكال الموت. حرقاً ونحراً، وجوعاً وتعذيباً حتى الموت؟ دفنهم وهم أحياء، وبالكيماوي والبراميل المتفجرة. وارتكب عشرات المجازر الجماعية على خلفية طائفية. وفي بلدات بعينها؟ لتحريض العنصر الطائفي كمحدد رئيسي للصراع. ليجر الثورة للسلاح والأسلمة، ومن ثم الى التطرّف. بهدف إخراجها من الخندق السياسي الى الخندق الديني والطائفي. ليعيد تموضع الصراع على خطوط الانقسامات الطائفية والمذهبية. واستدعى كل مجرمي العالم ليشاركوه قتل السوريين. كل ذلك أيتها الأخوات والأخوة أسهم في هدم الحدود الوطنية للصراع. وفتح الأبواب على مصرعيها للعسكرة والتدخلات الإقليمية والدولية، والاحتلالات بكل اشكالها السياسية، والأمنية والعسكرية والثقافية. مما أخرج الثورة من فضاءاتها العمومية. وأٌعيدت أدلجتها ببنى ذهنية وسياسية وفكرية غير قادرة على حمل مشروع تغيير وطني ديمقراطي ببعده الحضاري والإنساني. هذا التحوّل؟ أفرز قوى وهياكل هزيلة، وصبيان سياسة يشكون الأمية السياسة. قَفزت أو نُصّبت في مؤسسات الثورة بإرادات دولية وإقليمية من خارج الرحم الوطني السوري. وسرعان ما سلّمت قرارها للخارج الذي رعى نشأتها وتكوينها.؟
لتتصدّر المشهد فصائل عسكرية لا تحمل ثقافة الدولة، ولا تنتمي لفكر الثورة؟
فتشتت شمل السوريين. واضحت الأرض السورية ساحة لتقاتل الآخرين عليها. وتصفية الحسابات بالدم السوري. وانكفأت الثورة لصالح قوى الأمر الواقع. تخيّل للنظام وبخاصة بعد عودته لمقعده في جامعة الدول العربية. بأن الثورة هُزمت؟ وأنه انتصر على دماء السوريين.
وأنَ من تنازل لهم عن ثروات البلد واصولها السيادية؟ سيبقونه على الكرسي حارساً لمصالحهم ومشاريعهم في المنطقة. وسط كل هذا التحطيم والخراب المعمم، والاحتلالات المتعددة وانسداد الأفق. وجبال من اليأس والخذلان تٌثقل صدور السوريين حتى درجة الاختناق؟ انطلقت انتفاضة السويداء الموجة الثانية للثورة. لتستعيد مشهدية البدايات (التي حاول النظام دفنها) بكل ألقها وجمالها وسلميتها وشعاراتها الوطنية الجامعة. انطلقت لتستعيد بياضها ونقائها. لتستعيد انتفاضة السويداء للثورة سوريتها، وقرارها الذي تم التفريط به وتسليمه للأجنبي. انتفاضة السويداء التي أحيت الأمل في النفوس، وأعادت الروح للثورة، والقلب للخفقان.
تتيح الآن فرصة مهمة للسوريين المنتمين لروح الثورة وفكرها وأهدافها لا يجب تفويتها. لإعادة تقييم المرحلة الماضية بأمانة وطنية ووجدانية. لتدارك أخطائها، وتصحيح مسارها. والعودة للسورية الجامعة بعد هذا التشتت، لإعادة ترميم الفضاء الوطني السوري المهدّم. وإعادة جمع شمل الأحرار لاستعادة قرارهم وثورتهم والنهوض بها. أيتها الأخوات والأخوة علينا أن نٌدرك بأن السويداء لا تستطيع منفردة القيام بكل ما يتوجب على السوريين جميعاً القيام به؟
تحقيق التغيير المنشود لن يتحقق إلّا بتكاتف جهود جميع الأحرار والشرفاء على مساحة الجغرافية السورية. لترحيل هذه الطغمة من حاضر ومستقبل السوريين. وخروج كافة الاحتلالات والقوى الأجنبية من الأراضي السورية. دول وجيوش ومليشيات. عبر العملية السياسية بتراتبية مراحلها الثلاث. والمضبوطة زمنياً سنداً لجنيف 1 لعام 2012 والقرار2254. وبقية القرارات ذات الصلة. انتفاضة السويداء دفنت حلم النظام بلي عنق التاريخ. لتقول له خسئت ثورتنا باقية ومستمرة. الثورات لا تموت. إن كبت؟ ستنهض من جديد. لتسير لانتصارها وتحقيق أهدافها. نقول لهذه الطغمة المجرمة والفاسدة القابعة في دمشقَ، ومن والاها ودعمها من القتلة والمحتلين. إنها الثورة أيها الأوغاد، ياصُنّاع الموت والخراب. إنها السيل المقدس إنها الطوفان. هي البركان. هي بركان الحرية والكرامة لن يخمد قبل تعقيم سورية منكم. من رجسكم، من ظلمكم، من نهبكم، من بذاءاتكم، من كل سفالاتكم. لنعيد تخصيب أرضنا الطيبة بعد أن تبرأ من أوساخكم. ها هو الزحف المقدس للشرفاء والأحرار، ممن أعلنوا العصيان. وانتفضوا بوجه الظلم والطغيان. في سويداء القلب، في درعا، في القنيطرة الجريحة والمباعة. الى اعتصام الكرامة الشجاع في الشمال. إلى كل الشرفاء والأحرار في كل المحافظات السورية.
الأخوات والأخوة.
طوفان الحرية ونبع الكرامة لن يتوقف إلّا باسترداد سوريتنا المسروقة من القتلة والطغاة، وقوى الأمر الواقع. لنعيد بنائها من جديد وطناً حراً كريماً وسيداً. يصون الكرامات. ويحمي الحقوق والحريات. ويطلق إرادة الفكر التي تصنع المجتمعات. لنعيد الخُضرة والنُظرة لربوعها من بعد جدب. ولتزهر مواسمنا وتفيض بيادرنا غلالاً وفيرا من بعد شح وقحط.
وأن غداً لناظره قريب.
– الرحمة للشهداء.
– الحرية للمعتقلات والمعتقلين، والمختفين قسرياً والمغيبين.
– الهزيمة الهزيمة الهزيمة، لنظام القتل والعار والجريمة.
– النصر لإرادة السوريات والسوريين بالحرية والكرامة.
بسام العيسمي.
31|8|2024.